أصبح الميدان السوري منذ منتصف الأزمة عملياً هو الحاسم لسياسات منطقة الشرق الاوسط نظراً لما حملته الفترة الأخيرة من متغيرات؛ إنطلاقاً من تشعّبات الأزمة وإرتباط مسلحي المعارضة السورية بجهات خارجية ودولية وحتى شخصيات إقليمية، ووجود أكثر من فصيل إسلامي -صنيعة مختبرات دول عربية وإقليمية معروفة- يحارب لإسقاط النظام السوري. فأصبح كلّ تطوّر يحمله الميدان يتجاوز المعنى العسكري المحض ويتخطى حدود الميدان ليصل الى حد تغير مرجعية هذه الجماعات لجهات وأهداف جديدة.
فقد حملت أرض المعركة أسماء كثيرة في إطار محاربة الجيش السوري، اجتمعت تحت هدف وحيد مشترك وهو إسقاط النظام السوري، فمن "الجيش السوري الحر" وصولا الى "داعش" مروراً بـ"جبهة النصرة" و"جيش الاسلام" والخ... كلها تسميات ومرجعيات تغيرت مع بقاء الجيش السوري بحالته المستقرة، الى أن انتقل الى مرحلة الهجوم المضاد على كافة المحاور لبسط سيطرته قبل الاستحقاق الرئاسي القريب، الذي سيعطي الدول المشاركة الحجّة التي تحتاجها للاتصال المباشر مع القيادة السورية.
فمع كل تطور ميداني يحرزه الجيش السوري يتأكد العالم أنّ الصورة المرتقبة باتت أكثر وضوحاً، وأنّ معالم الاتصال للإتفاق باتت أكثر منطقية. ففي اللاذقية، حيث المعركة تأخذ طابعاً إستراتيجيّاً وبُعداً تاريخيّاً، اضطر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مكرهًا إلى الدفع بكل أوراقه وأوامره للجيش التركي بمساندة المسلحين في معركة كسب على اعتبار أنّها آخر معاركه في المنطقة التي عزلت مشروعه الاخواني الذي انهار، في حين تسعى القيادة السورية الى حسم هذه المعركة للرد على دعم اردوغان للمسلحين، لتزيد من مشاكله السياسية في الداخل والخارج، وقد اعتمدت سياسة جديدة بتنسيق عسكري مع "حزب الله" الى حسم أكبر عدد من المعارك وخصوصا تلك التي تدور في اللاذقية عن طريق الضربات الامنية التي تستهدف قيادات المسلحين وتحصيناتهم.
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر لـ"النشرة" ﻣﻘﺘﻞ ﻗﺎﺋﺪ ﻛﺘﻴﺒﺔ "مصعب ﺑﻦ ﻋﻤﻴﺮ" ﻓﻲ "اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ" أحمد نجيب ﺧﻼﻝ اﺷﺘﺒﺎﻛﺎﺕ مع "حزب الله" والجيش السوري في معارك وصفت بالاعنف منذ يومين في كسب، مشيرة الى انه تم التصدي أيضا لهجوم مسلحي جبهة النصرة في محيط "قمة تشالما" في ريف اللاذقية الشمالي، حيث أدّت هذه العملية الى مقتل 40 مسلح وجرح العشرات منهم.
وقد كشفت المصادر أنّ العملية المشتركة التي يقودها "حزب الله" والجيش السوري تشهد نجاحاتٍ تكتيكية كبيرة أثمرت عن تقدمهما باتجاه "قمة السيريتيل" التي تثبّت وجودهما في "تشالما"، مؤكدة بانه تم تدمير أحد مقرات القيادة التابعة لجبهة النصرة في منطقة "السكرية" في ريف اللاذفية الشمالي ما أسفر عن مقتل "أبو أنس الليبي" القائد العسكري للنصرة وخبير المتفجرات -الذي كان متواجدًا في شمال لبنان سابقاً- مع عدد من مرافقيه.
وفي إطار استهدافهما لقيادات الجماعات المسلحة، تمكن "حزب الله" والجيش السوري من تصفية "قصي آغا" القائد العسكري في كتيبة "أبو القعقاع" التابعة لجبهة النصرة.
وفي تطور جديد من نوعه قد يطال تأثيره كافة الجبهات في سوريا وخصوصا الجنوبية منها، أكدت مصادر لـ"النشرة" أنّ الجيش السوري اﺴﺘﻬﺪﻑ ﺗﺤﺼﻴﻨﺎﺕ ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟمسلحين ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ في "ﺍﻟﺠﻮﻻﻥ المحتل" عند ﺍﻟﺸﺮﻳﻂ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩﻱ بقصف مدفعي، مما أدى الى مقتل وجرح ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ 150 مسلح، وقد تزامن هذا القصف مع مناورات للجيش الاسرائيلي في المنطقة الشمالية مع سوريا.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة أنّ "حزب الله" والجيش السوري باتا قريبين جدًا من اعلان منطقة الزبداني في ريف دمشق منطقة امنة وخالية من المسلحين بعد الضربات القاضية التي تلقتها هذه الجماعات في اليومين الاخيرين والتي اودت بحياة العشرات من المسلحين المتواجدين في المنطقة.
ومن هنا فان الايام الماضية شهدت تقدما للجيش السوري و"حزب الله" على اكثر من جبهة، فبات من الواضح ان القيادة السورية ستسعى لتوجيه ضربات أمنية حاسمة بالتزامن مع التقدم العسكري الذي بات سيد الموقف في ظل تخبط الجماعات المسلحة الناتجة عن الواقع الميداني، والذي ترافق مع انشغال اقطاب العالم في معارك جديدة بعيدة عن سوريا.